الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [وإن صلوا أعادوها ظهرا] وجملته أن ما كان شرطا لوجوب الجمعة فهو شرط لانعقادها, فمتى صلوا جمعة مع اختلال بعض شروطها لم يصح ولزمهم أن يصلوا ظهرا, ولا يعد في الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة من لا تجب عليه ولا يعتبر اجتماع الشروط للصحة بل تصح ممن لا تجب عليه, تبعا لمن وجبت عليه ولا يعتبر في وجوبها كونه ممن تنعقد به فإنها تجب على من يسمع النداء من غير أهل المصر, ولا تنعقد به. ويعتبر استدامة الشروط في القدر الواجب من الخطبتين وقال أبو حنيفة في رواية عنه: لا يشترط العدد فيهما لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد, كالأذان ولنا أنه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد, كتكبيرة الإحرام ويفارق الأذان فإنه ليس بشرط, وإنما مقصوده الإعلام والإعلام للغائبين والخطبة مقصودها التذكير والموعظة, وذلك إنما يكون للحاضرين وهي مشتقة من الخطاب والخطاب إنما يكون للحاضرين فعلى هذا إن انفضوا في أثناء الخطبة, ثم عادوا فحضروا القدر الواجب أجزأهم وإلا لم يجزئهم, إلا أن يحضروا القدر الواجب ثم ينفضوا ويعتبر استدامة الشروط في جميع الصلاة فإن نقص العدد قبل كمالها فظاهر كلام أحمد أنه لا يتمها جمعة وهذا أحد قولي الشافعي لأنه فقد بعض شرائط الصلاة, فأشبه فقد الطهارة وقياس قول الخرقي أنهم إن انفضوا بعد ركعة أنه يتمها جمعة وهذا قول مالك, وقال المزنى: هو الأشبه عندي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى) ولأنهم أدركوا ركعة فصحت لهم جمعة كالمسبوقين بركعة, ولأن العدد شرط يختص الجمعة فلم يفت بفواته في ركعة كما لو دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة وقال أبو حنيفة: إن انفضوا بعدما صلى ركعة بسجدة واحدة, أتمها جمعة لأنهم أدركوا معظم الركعة فأشبه ما لو أدركوها بسجدتيها وقال إسحاق: إن بقي معه اثنا عشر رجلا أتمها جمعة لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- انفضوا عنه, فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأتمها جمعة وقال الشافعي في أحد أقواله: إن بقي معه اثنان, أتمها جمعة وهو قول الثوري لأنهم أقل الجمع وحكي عنه أبو ثور: إن بقي معه واحد أتمها جمعة لأن الاثنين جماعة ولنا أنهم لم يدركوا ركعة كاملة بشروط الجمعة فأشبه ما لو انفض الجميع قبل الركوع في الأولى وقولهم: أدرك معظم الركعة يبطل بمن لم يفته من الركعة إلا السجدتان, فإنه قد أدرك معظمها وقول الشافعي: بقي معه من تنعقد به الجماعة قلنا: لا يصح لأن هذا لا يكفي في الابتداء فلا يكفي في الدوام إذا ثبت هذا فكل موضع قلنا لا يتمها جمعة, فقياس قول الخرقي أنها تبطل ويستأنف ظهرا إلا أن يمكنهم فعل الجمعة مرة أخرى, فيعيدونها قال أبو بكر: لا أعلم خلافا عن أحمد إن لم يتم العدد في الصلاة والخطبة أنهم يعيدون الصلاة وقياس قول أبي إسحاق بن شاقلا أنهم يتمونها ظهرا وهذا قول القاضي وقال: قد نص عليها أحمد في الذي زحم عن أفعال الجمعة حتى سلم الإمام, يتمها ظهرا ووجه القولين قد تقدم. قال: [وإذا كان البلد كبيرا يحتاج إلى جوامع فصلاة الجمعة في جميعها جائزة] وجملته أن البلد متى كان كبيرا, يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده عن أهله, كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبار جازت إقامة الجماعة فيما يحتاج إليه من جوامعها وهذا قول عطاء وأجازه أبو يوسف في بغداد دون غيرها لأن الحدود تقام فيها في موضعين, والجمعة حيث تقام الحدود ومقتضى قوله: إنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين جازت إقامة الجمعة في موضعين منه لأن الجمعة حيث تقام الحدود, وهذا قول ابن المبارك وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا تجوز الجمعة في بلد واحد في أكثر من موضع واحد (لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجمع إلا في مسجد واحد) وكذلك الخلفاء بعده, ولو جاز لم يعطلوا المساجد حتى قال ابن عمر: لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام ولنا, أنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد وقد ثبت أن عليا, رضي الله عنه كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ويستخلف على ضعفة الناس أبا مسعود البدرى فيصلى بهم فأما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم- إقامة جمعتين, فلغناهم عن إحداهما ولأن أصحابه كانوا يرون سماع خطبته وشهود جمعته, وإن بعدت منازلهم لأنه المبلغ عن الله تعالى وشارع الأحكام, ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الأمصار صليت في أماكن ولم ينكر فصار إجماعا وقول ابن عمر, يعنى أنها لا تقام في المساجد الصغار ويترك الكبير وأما اعتبار ذلك بإقامة الحدود فلا وجه له قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: أي حد كان يقام بالمدينة, قدمها مصعب بن عمير وهم مختبئون في دار فجمع بهم وهم أربعون. فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز في أكثر من واحد وإن حصل الغنى باثنتين لم تجز الثالثة, وكذلك ما زاد لا نعلم في هذا مخالفا إلا أن عطاء قيل له: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه, ويجزئ ذلك من التجميع في المسجد الأكبر وما عليه الجمهور أولى إذ لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك, ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل فإن صلوا جمعتين في مصر واحد من غير حاجة وإحداهما جمعة الإمام, فهي صحيحة تقدمت أو تأخرت والأخرى باطلة لأن في الحكم ببطلان جمعة الإمام افتياتا عليه, وتفويتا له الجمعة ولمن يصلي معه ويفضى إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك بأن يجتمعوا في موضع, ويسبقوا أهل البلد بصلاة الجمعة وقيل: السابقة هي الصحيحة لأنها لم يتقدمها ما يفسدها ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها والأول أصح, لما ذكرنا وإن كانت إحداهما في المسجد الجامع والأخرى في مكان صغير لا يسع المصلين أو لا يمكنهم الصلاة فيه لاختصاص السلطان وجنده به أو غير ذلك, أو كان أحدهما في قصبة البلد والآخر في أقصى المدينة كان من وجدت فيه هذه المعانى صلاتهم صحيحة دون الأخرى وهذا قول مالك فإنه قال: لا أرى الجمعة إلا لأهل القصبة وذلك لأن لهذه المعانى مزية تقتضى التقديم, فقدم بها كجمعة الإمام ويحتمل أن تصح السابقة منهما دون الأخرى لأن إذن الإمام آكد, ولذلك اشترط في إحدى الروايتين وإن لم يكن لإحداهما مزية لكونهما جميعا مأذونا فيهما أو غير مأذون في واحدة منهما, وتساوى المكانان في إمكان إقامة الجمعة في كل واحد منهما فالسابقة هي الصحيحة لأنها وقعت بشروطها ولم يزاحمها ما يبطلها, ولا سبقها ما يغنى عنها والثانية باطلة لكونها واقعة في مصر أقيمت فيه جمعة صحيحة تغنى عما سواها ويعتبر السبق بالإحرام لأنه متى أحرم بإحداهما حرم الإحرام بغيرها للغنى عنها, فإن وقع الإحرام بهما معا فهما باطلتان معا لأنه لا يمكن صحتهما معا وليست إحداهما بالفساد أولى من الأخرى فبطلتا كالمتزوج أختين, أو إذا زوج الوليان رجلين وإن لم تعلم الأولى منهما أو لم يعلم كيفية وقوعهما بطلتا أيضا لأن إحداهما باطلة, ولم تعلم بعينها وليست إحداهما بالإبطال أولى من الأخرى فبطلتا كالمسألتين ثم إن علمنا فساد الجمعتين لوقوعهما معا, وجب إعادة الجمعة إن أمكن ذلك لبقاء الوقت لأنه مصر ما أقيمت فيه جمعة صحيحة, والوقت متسع لإقامتها فلزمتهم كما لو لم يصلوا شيئا وإن تيقنا صحة إحداهما لا بعينها فليس لهم أن يصلوا إلا ظهرا, لأنه مصر تيقنا سقوط فرض الجمعة فيه بالأولى منهما فلم تجز إقامة الجمعة فيه كما لو علمناها وقال القاضي: يحتمل أن لهم إقامة جمعة أخرى لأننا حكمنا بفسادهما معا, فكأن المصر ما صليت فيه جمعة صحيحة والصحيح الأول لأن الصحيحة لم تفسد وإنما لم يمكن إثبات حكم الصحة لها بعينها لجهلها فيصير هذا كما لو زوج الوليان أحدهما قبل الآخر, وجهل السابق منهما فإنه لا يثبت حكم الصحة بالنسبة إلى واحد بعينه وثبت حكم النكاح في حق المرأة, بحيث لا يحل لها أن تنكح زوجا آخر فأما إن جهلنا كيفية وقوعهما فالأولى أن لا يجوز إقامة الجمعة أيضا لأن الظاهر صحة إحداهما, لأن وقوعهما معا - بحيث لا يسبق إحرام إحداهما الأخرى - بعيد جدا وما كان في غاية الندرة فحكمه حكم المعدوم ولأننا شككنا في شرط إقامة الجمعة, فلم يجز إقامتها مع الشك في شرطها ويحتمل أن لهم إقامتها لأننا لم نتيقن المانع من صحتها والأول أولى . وإن أحرم بالجمعة فتبين في أثناء الصلاة أن الجمعة قد أقيمت في المصر بطلت الجمعة, ولزمهم استئناف الظهر لأننا تبينا أنه أحرم بها في وقت لا يجوز الإحرام بالجمعة فلا تصح فأشبه, ما لو تبين أنه أحرم بها بعد دخول وقت العصر وقال القاضي: يستحب أن يستأنف ظهرا وهذا من قوله يدل على أن له إتمامها ظهرا قياسا على المسبوق الذي أدرك دون الركعة وكما لو أحرم بالجمعة فانفض العدد قبل إتمامها والفرق ظاهر فإن هذا أحرم بها في وقت لا تصح الجمعة فيه, ولا يجوز الإحرام بها والأصل الذي قاس عليه بخلاف هذا. وإذا كانت قرية إلى جانب مصر يسمعون النداء منه, فأقاموا جمعة فيها لم تبطل جمعة أهل المصر لأنهم في غير المصر ولأن لجمعة المصر مزية بكونها فيه ولو كان مصران متقاربان, يسمع أهل كل مصر نداء المصر الآخر كأهل مصر والقاهرة لم تبطل جمعة أحدهما بجمعة الآخر وكذلك القريتان المتقاربتان لأن لكل قوم منهم حكم أنفسهم, بدليل أن جمعة أحد الفريقين لا يتم عددها بالفريق الآخر ولا تلزمهم الجمعة بكمال العدة بالفريق الآخر وإنما يلزمهم السعى إذا لم يكن لهم جمعة, فهم كأهل المحلة القريبة من المصر. قال: [ولا جمعة على مسافر ولا عبد ولا امرأة] وعن أبي عبد الله, -رحمه الله- في العبد روايتان: إحداهما أن الجمعة عليه واجبة والرواية الأخرى ليست عليه بواجبة أما المرأة فلا خلاف في أنها لا جمعة عليها قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال, ولذلك لا تجب عليها جماعة وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك قاله مالك في أهل المدينة والثوري في أهل العراق والشافعي, وإسحاق وأبو ثور وروى ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز, والحسن والشعبي وحكي عن الزهري والنخعي, أنها تجب عليه لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى ولنا (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعة فصلى الظهر والعصر, وجمع بينهما ولم يصل جمعة) والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم, كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم وقد قال إبراهيم: كانوا يقيمون بالرى السنة وأكثر من ذلك, وبسجستان السنين لا يجمعون ولا يشرقون وعن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: أقمت معه سنتين بكابل يقصر الصلاة ولا يجمع رواهما سعيد وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين, فكان لا يجمع ذكره ابن المنذر وهذا إجماع مع السنة الثابتة فيه, فلا يسوغ مخالفته. فأما العبد ففيه روايتان: إحداهما لا تجب عليه الجمعة وهو قول من سمينا في حق المسافر والثانية تجب عليه, ولا يذهب من غير إذن سيده نقلها المروذي واختارها أبو بكر وبذلك قالت طائفة, إلا أن له تركها إذا منعه السيد واحتجوا بقوله تعالى: ولنا ما روى طارق بن شهاب, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة, أو صبي أو مريض) رواه أبو داود وقال: طارق رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع منه, وهو من أصحابه وعن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضا, أو مسافرا أو امرأة أو صبيا, أو مملوكا) رواه الدارقطني وعن تميم الدارى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (الجمعة واجبة إلا على خمسة: امرأة أو صبي, أو مريض أو مسافر أو عبد) رواه رجاء بن مرجى الغفاري, في " سننه " ولأن الجمعة يجب السعى إليها من مكان بعيد فلم تجب عليه كالحج والجهاد, ولأنه مملوك المنفعة محبوس على السيد أشبه المحبوس بالدين ولأنها لو وجبت عليه لجاز له المضى إليها من غير إذن سيده, ولم يكن لسيده منعه منها كسائر الفرائض والآية مخصوصة بذوى الأعذار, وهذا منهم. والمكاتب والمدبر حكمهما في ذلك حكم القن لبقاء الرق فيهما وكذلك من بعضه حر فإن حق سيده متعلق به وكذلك لا يجب عليه شيء مما يسقط عن العبد. إذا أجمع المسافر إقامة تمنع القصر, ولم يرد استيطان البلد كطلب العلم أو الرباط أو التاجر الذي يقيم لبيع متاعه, أو مشترى شيء لا ينجز إلا في مدة طويلة ففيه وجهان: أحدهما تلزمه الجمعة لعموم الآية, ودلالة الأخبار التي رويناها فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- أوجبها إلا على الخمسة الذين استثناهم وليس هذا منهم والثاني: لا تجب عليه لأنه ليس بمستوطن, والاستيطان من شرط الوجوب ولأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام فأشبه أهل القرية الذين يسكنونها صيفا ويظعنون عنها شتاء, ولأنهم كانوا يقيمون السنة والسنتين لا يجمعون ولا يشرقون أي لا يصلون جمعة ولا عيدا فإن قلنا: تجب الجمعة عليه فالظاهر أنها لا تنعقد به لعدم الاستيطان الذي هو من شرط الانعقاد. ولا تجب الجمعة على من في طريقه إليها مطر يبل الثياب, أو وحل يشق المشى إليها فيه وحكي عن مالك أنه كان لا يجعل المطر عذرا في التخلف عنها . ولنا ما روي عن ابن عباس أنه أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل: حى على الصلاة قل: صلوا في بيوتكم فقال: فكأن الناس استنكروا ذلك فقال: أتعجبون من ذا؟ فعل ذا من هو خير منى إن الجمعة عزمة وإنى كرهت أن أخرجكم إليها فتمشوا في الطين والدحض أخرجه مسلم ولأنه عذر في الجماعة فكان عذرا في الجمعة, كالمرض وتسقط الجمعة بكل عذر يسقط الجماعة وقد ذكرنا الأعذار في آخر صفة الصلاة, وإنما ذكرنا المطر ها هنا لوقوع الخلاف فيه. تجب الجمعة على الأعمى وقال أبو حنيفة: لا تجب عليه ولنا عموم الآية والأخبار وقوله: (الجمعة واجبة إلا على أربعة) وما ذكرنا في وجوب الجماعة عليه. قال: [وإن حضروها أجزأتهم] يعنى تجزئهم الجمعة عن الظهر, ولا نعلم في هذا خلافا قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء وأجمعوا على أنهن إذا حضرن فصلين الجمعة أن ذلك يجزئ عنهن لأن إسقاط الجمعة للتخفيف عنهن فإذا تحملوا المشقة وصلوا, أجزأهم كالمريض. والأفضل للمسافر حضور الجمعة لأنها أكمل فأما العبد فإن أذن له سيده في حضورها فهو أفضل لينال فضل الجمعة وثوابها, ويخرج من الخلاف وإن منعه سيده لم يكن له حضورها إلا أن نقول بوجوبها عليه وأما المرأة فإن كانت مسنة فلا بأس بحضورها وإن كانت شابة جاز حضورها, وصلاتهما في بيوتهما خير لهما كما روى في الخبر: (وبيوتهن خير لهن) وقال أبو عمرو الشيبانى: رأيت ابن مسعود يخرج النساء من الجامع يوم الجمعة يقول: اخرجن إلى بيوتكن خير لكن. ولا تنعقد الجمعة بأحد من هؤلاء, ولا يصح أن يكون إماما فيها وقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز أن يكون العبد والمسافر إماما فيها ووافقهم مالك في المسافر وحكي عن أبي حنيفة أن الجمعة تصح بالعبيد والمسافرين لأنهم رجال تصح منهم الجمعة ولنا, أنهم من غير أهل فرض الجمعة فلم تنعقد الجمعة بهم ولم يجز أن يؤموا فيها, كالنساء والصبيان ولأن الجمعة إنما تنعقد بهم تبعا لمن انعقدت به فلو انعقدت بهم أو كانوا أئمة فيها صار التبع متبوعا, وعليه يخرج الحر المقيم ولأن الجمعة لو انعقدت بهم لانعقدت بهم منفردين كالأحرار المقيمين, وقياسهم منتقض بالنساء والصبيان. فأما المريض ومن حبسه العذر من المطر والخوف فإذا تكلف حضورها وجبت عليه, وانعقدت به ويصح أن يكون إماما فيها لأن سقوطها عنهم إنما كان لمشقة السعى فإذا تكلفوا وحصلوا في الجامع, زالت المشقة فوجبت عليهم كغير أهل الأعذار. قال: [ومن صلى الظهر يوم الجمعة ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام أعادها بعد صلاته ظهرا] يعنى من وجبت عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة, لم يصح ويلزمه السعى إلى الجمعة إن ظن أنه يدركها لأنها المفروضة عليه فإن أدركها معه صلاها, وإن فاتته فعليه صلاة الظهر وإن ظن أنه لا يدركها انتظر حتى يتيقن أن الإمام قد صلى ثم يصلي الظهر وهذا قول مالك, والثوري والشافعي في الجديد وقال أبو حنيفة والشافعي في القديم: تصح ظهره قبل صلاة الإمام لأن الظهر فرض الوقت بدليل سائر الأيام, وإنما الجمعة بدل عنها وقائمة مقامها ولهذا إذا تعذرت الجمعة صلى ظهرا, فمن صلى الظهر فقد أتى بالأصل فأجزأه كسائر الأيام وقال أبو حنيفة: ويلزمه السعى إلى الجمعة فإن سعى بطلت ظهره, وإن لم يسع أجزأته ولنا أنه صلى ما لم يخاطب به, وترك ما خوطب به فلم تصح كما لو صلى العصر مكان الظهر, ولا نزاع في أنه مخاطب بالجمعة فسقطت عنه الظهر كما لو كان بعيدا, وقد دل عليه النص والإجماع ولا خلاف في أنه يأثم بتركها وترك السعى إليها ويلزم من ذلك أن لا يخاطب بالظهر لأنه لا يخاطب في الوقت بصلاتين ولأنه يأثم بترك الجمعة وإن صلى الظهر, ولا يأثم بفعل الجمعة وترك الظهر بالإجماع والواجب ما يأثم بتركه دون ما لم يأثم به وقولهم: إن الظهر فرض الوقت لا يصح لأنها لو كانت الأصل لوجب عليه فعلها وأثم بتركها, ولم تجزه صلاة الجمعة مع إمكانها فإن البدل لا يصار إليه إلا عند تعذر المبدل بدليل سائر الأبدال مع مبدلاتها, ولأن الظهر لو صحت لم تبطل بالسعى إلى غيرها كسائر الصلوات الصحيحة ولأن الصلاة إذا صحت برئت الذمة منها, وأسقطت الفرض عمن صلاها فلا يجوز اشتغالها بها بعد ذلك ولأن الصلاة إذا فرغ منها لم تبطل بشيء من مبطلاتها, فكيف تبطل بما ليس من مبطلاتها ولا ورد الشرع به فأما إذا فاتته الجمعة فإنه يصير إلى الظهر لأن الجمعة لا يمكن قضاؤها لأنها لا تصح إلا بشروطها ولا يوجد ذلك في قضائها, فتعين المصير إلى الظهر عند عدمها وهذا حال البدل . فإن صلى الظهر ثم شك: هل صلى قبل صلاة الإمام أو بعدها؟ لزمه إعادتها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته, فلا يبرأ منها إلا بيقين ولأنه صلاها مع الشك في شرطها, فلم تصح كما لو صلاها مع الشك في طهارتها وإن صلاها مع صلاة الإمام لم تصح لأنه صلاها قبل فراغ الإمام منها أشبه ما لو صلاها قبله في وقت يعلم أنه لا يدركها. فأما من لا تجب عليه الجمعة, كالمسافر والعبد والمرأة, والمريض وسائر المعذورين فله أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام في قول أكثر أهل العلم وقال أبو بكر عبد العزيز: لا تصح صلاته قبل الإمام لأنه لا يتيقن بقاء العذر, فلم تصح صلاته كغير المعذور ولنا أنه لم يخاطب بالجمعة فصحت منه الظهر, كما لو كان بعيدا من موضع الجمعة وقوله: لا يتيقن بقاء العذر قلنا: أما المرأة فمعلوم بقاء عذرها وأما غيرها فالظاهر بقاء عذره والأصل استمراره, فأشبه المتيمم إذا صلى في أول الوقت والمريض إذا صلى جالسا إذا ثبت هذا, فإنه إن صلاها ثم سعى إلى الجمعة لم تبطل ظهره, وكانت الجمعة نفلا في حقه سواء زال عذره أو لم يزل وقال أبو حنيفة: تبطل ظهره بالسعى إليها كالتى قبلها ولنا, ما روى أبو العالية قال: سألت عبد الله بن الصامت فقلت: نصلى يوم الجمعة خلف أمراء فيؤخرون الصلاة؟ فقال: سألت أبا ذر عن ذلك, فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: (صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة) وفي لفظ: (فإن أدركتها معهم فصل, فإنها لك نافلة) ولأنها صلاة صحيحة أسقطت فرضه وأبرأت ذمته فأشبهت ما لو صلى الظهر منفردا, ثم سعى إلى الجماعة والأفضل أن لا يصلوا إلا بعد صلاة الإمام ليخرجوا من الخلاف ولأنه يحتمل زوال أعذارهم, فيدركون الجمعة. ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة إذا أمن أن ينسب إلى مخالفة الإمام, والرغبة عن الصلاة معه أو أنه يرى الإعادة إذا صلى معه فعل ذلك ابن مسعود وأبو ذر, والحسن بن عبيد الله وإياس بن معاوية وهو قول الأعمش, والشافعي وإسحاق وكرهه الحسن وأبو قلابة, ومالك وأبو حنيفة لأن زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يخل من معذورين, فلم ينقل أنهم صلوا جماعة ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) وروي عن ابن مسعود أنه فاتته الجمعة فصلى بعلقمة والأسود واحتج به أحمد وفعله من ذكرنا من قبل ومطرف, وإبراهيم قال أبو عبد الله: ما أعجب الناس ينكرون هذا فأما زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم ينقل إلينا أنه اجتمع جماعة معذورون يحتاجون إلى إقامة الجماعة إذا ثبت هذا فإنه لا يستحب إعادتها جماعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا في مسجد تكره إعادة الجماعة فيه وتكره أيضا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة لأنه يفضي إلى النسبة إلى الرغبة عن الجمعة, أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإمام أو يعيد الصلاة معه فيه وفيه افتيات على الإمام, وربما أفضى إلى فتنة أو لخوف ضرر به وبغيره وإنما يصليها في منزله, أو موضع لا تحصل هذه المفسدة بصلاتها فيه. قال: [ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ويلبس ثوبين نظيفين ويتطيب] لا خلاف في استحباب ذلك, وفيه آثار كثيرة صحيحة منها ما روى سلمان الفارسى قال: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم- (لا يغتسل رجل يوم الجمعة, ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته, ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له, ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري وليس ذلك بواجب في قول أكثر أهل العلم قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم وهو قول الأوزاعي والثوري, ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي, وقيل: إن هذا إجماع قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين قديما وحديثا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب وحكي عن أحمد رواية أخرى أنه واجب وروى ذلك عن أبي هريرة, وعمرو بن سليم وقاول عمار بن ياسر رجلا فقال عمار: أنا إذا أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة ووجهه قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وقوله عليه السلام: (من أتى منكم الجمعة فليغتسل) وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما, يغسل رأسه وجسده) متفق عليهن . ولنا ما روى سمرة بن جندب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) رواه النسائي والترمذي, وقال: حديث حسن وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من توضأ فأحسن الوضوء, ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام, ومن مس الحصى فقد لغا) متفق عليه وأيضا فإنه إجماع حيث قال عمر لعثمان: أية ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلى حتى سمعت النداء فلم أزد على الوضوء, فقال له عمر: والوضوء أيضا وقد علمت (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بالغسل؟) ولو كان واجبا لرده ولم يخف على عثمان وعلى من حضر من الصحابة وحديثهم محمول على تأكيد الندب, ولذلك ذكر في سياقه: " وسواك وأن يمس طيبا " كذلك رواه مسلم والسواك ومس الطيب, لا يجب ولما ذكرنا من الأخبار وقالت عائشة: كان الناس مهنة أنفسهم, وكانوا يروحون إلى الجمعة بهيئتهم فتظهر لهم رائحة فقيل لهم: لو اغتسلتم رواه مسلم بنحو هذا المعنى . وقت الغسل بعد طلوع الفجر, فمن اغتسل بعد ذلك أجزأه وإن اغتسل قبله لم يجزئه وهذا قول مجاهد, والحسن والنخعي والثوري, والشافعي وإسحاق وحكي عن الأوزاعي أنه يجزئه الغسل قبل الفجر وعن مالك: أنه لا يجزئه الغسل إلا أن يتعقبه الرواح ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من اغتسل يوم الجمعة) واليوم من طلوع الفجر, وإن اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل, وكفاه الوضوء وهذا قول مجاهد والحسن, ومالك والأوزاعي والشافعي واستحب طاوس والزهري, وقتادة ويحيى بن أبي كثير إعادة الغسل ولنا, أنه اغتسل يوم الجمعة فدخل في عموم الخبر وأشبه من لم يحدث, والحدث إنما يؤثر في الطهارة الصغرى ولا يؤثر في المقصود من الغسل وهو التنظيف, وإزالة الرائحة ولأنه غسل فلا يؤثر الحدث في إبطاله, كغسل الجنابة. ويفتقر الغسل إلى النية لأنه عبادة محضة فافتقر إلى النية كتجديد الوضوء, فإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما أجزأه ولا نعلم فيه خلافا وروى ذلك عن ابن عمر, ومجاهد ومكحول ومالك, والثوري والأوزاعي والشافعي, وأبي ثور وقد ذكرنا أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (من غسل واغتسل) أي: جامع واغتسل ولأنهما غسلان اجتمعا فأشبها غسل الحيض والجنابة, وإن اغتسل للجنابة ولم ينو غسل الجمعة ففيه وجهان, أحدهما لا يجزئه وروي عن بعض بنى أبي قتادة أنه دخل عليه يوم الجمعة مغتسلا فقال: للجمعة اغتسلت؟ فقال: لا, ولكن للجنابة قال: فأعد غسل الجمعة ووجه ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (وإنما لكل امرئ ما نوى) والثاني: يجزئه لأنه مغتسل فيدخل في عموم الحديث, ولأن المقصود التنظيف وهو حاصل بهذا الغسل وقد روى في بعض الحديث: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) . ومن لا يأتي الجمعة فلا غسل عليه قال أحمد: ليس على النساء غسل يوم الجمعة، وعلى قياسهن الصبيان والمسافر والمريض. وكان ابن عمر، وعلقمة، لا يغتسلان في السفر، وكان طلحة يغتسل وروي عن مجاهد، وطاوس، ولعلهم أخذوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وغيره من الأخبار العامة. ولنا قوله عليه السلام: (من أتى الجمعة فليغتسل) ولأن المقصود التنظيف، وقطع الرائحة حتى لا يتأذى غيره به، وهذا مختص بمن أتى الجمعة، والأخبار العامة يراد بها هذا، ولهذا سماه غسل الجمعة، ومن لا يأتيها لا يكون غسله غسل الجمعة، وإن أتاها أحد ممن لا تجب عليه استحب له الغسل لعموم الخبر، ووجود المعنى فيه . ويستحب أن يلبس ثوبين نظيفين لما روى عبد الله بن سلام, أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة يقول: (ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم جمعة سوى ثوبى مهنته) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وجاء في حديث: (من لبس أحسن ثيابه يوم الجمعة, واغتسل) وذكر الحديث وأفضلها البياض لقوله: عليه السلام (خير ثيابكم البياض ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم) ويستحب أن يعتم ويرتدي, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك والإمام في هذا ونحوه آكد من غيره لأنه المنظور إليه من بين الناس. والتطيب مندوب إليه, والسواك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم وسواك وأن يمس طيبا) وروى ابن عباس, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل, وإن كان طيب فليمس منه وعليكم بالسواك) ويستحب أن يدهن ويتنظف بأخذ الشعر, وقطع الرائحة لقوله عليه السلام (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه, أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له, ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ). إذا أتى المسجد كره له أن يتخطى رقاب الناس لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (فلا يفرق بين اثنين) وقوله: (ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا) وقوله في الذي جاء يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة: (اجلس, فقد آذيت وآنيت) وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرا إلى جهنم) رواه أبو داود والترمذي وقال: لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد, وقد ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه فأما الإمام إذا لم يجد طريقا فلا يكره له التخطي, لأنه موضع حاجة. فإن رأى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطى ففيه روايتان: إحداهما له التخطى قال أحمد: يدخل الرجل ما استطاع, ولا يدع بين يديه موضعا فارغا فإن جهل فترك بين يديه خاليا فليتخط الذي يأتي بعده ويتجاوزه إلى الموضع الخالي, فإنه لا حرمة لمن ترك بين يديه خاليا وقعد في غيره وقال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السعة وقال قتادة: يتخطاهم إلى مصلاه وقال الحسن: تخطوا رقاب الذين يجلسون على أبواب المساجد فإنه لا حرمة لهم, وعن أحمد رواية أخرى إن كان يتخطى الواحد والاثنين فلا بأس, لأنه يسير فعفي عنه وإن كثر كرهناه, وكذلك قال الشافعي إلا أن لا يجد السبيل إلى مصلاه إلا بأن يتخطى فيسعه التخطي, -إن شاء الله تعالى- ولعل قول أحمد ومن وافقه في الرواية الأولى, فيما إذا تركوا مكانا واسعا مثل الذين يصفون في آخر المسجد ويتركون بين أيديهم صفوفا خالية, فهؤلاء لا حرمة لهم كما قال الحسن لأنهم خالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- ورغبوا عن الفضيلة وخير الصفوف وجلسوا في شرها ولأن تخطيهم مما لا بد منه, وقوله الثاني في حق من لم يفرطوا وإنما جلسوا في مكانهم لامتلاء ما بين أيديهم لكن فيه سعة يمكن الجلوس فيه لازدحامهم, ومتى كان لم يمكن الصلاة إلا بالدخول وتخطيهم جاز لأنه موضع حاجة. إذا جلس في مكان ثم بدت له حاجة, أو احتاج إلى الوضوء فله الخروج (قال عقبة: صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم- بالمدينة العصر فسلم, ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى حجر بعض نسائه فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسنى فأمرت بقسمته) رواه البخاري, فإذا قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- (من قام من مجلسه, ثم رجع إليه فهو أحق به) وحكمه في التخطى إلى موضعه حكم من رأى بين يديه فرجة. وليس له أن يقيم إنسانا ويجلس في موضعه سواء كان المكان راتبا لشخص يجلس فيه, أو موضع حلقة لمن يحدث فيها أو حلقة للفقهاء يتذاكرون فيها أو لم يكن لما روى ابن عمر, قال: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يقيم الرجل - يعنى أخاه - من مقعده ويجلس فيه) متفق عليه ولأن المسجد بيت الله والناس فيه سواء, قال الله تعالى: وإن فرش مصلى له في مكان, ففيه وجهان: أحدهما يجوز رفعه والجلوس في موضعه, لأنه لا حرمة له ولأن السبق بالأجسام لا بالأوطئة والمصليات, ولأن تركه يفضي إلى أن صاحبه يتأخر ثم يتخطى رقاب المصلين ورفعه ينفي ذلك والثاني: لا يجوز لأن فيه افتياتا على صاحبه, ربما أفضى إلى الخصومة ولأنه سبق إليه فكان كمحتجر الموات. ويستحب الدنو من الإمام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (من غسل واغتسل, وبكر وابتكر ومشى ولم يركب, ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة, أجر صيامها وقيامها) رواه أبو داود والنسائي والترمذي, وابن ماجه وهذا لفظه وعن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة, وإن دخلها) رواه أبو داود ولأنه أمكن له من السماع. وتكره الصلاة في المقصورة التي تحمى نص عليه أحمد وروي عن ابن عمر أنه كان إذا حضرت الصلاة, وهو في المقصورة خرج وكرهه الأحنف وابن محيريز, والشعبي وإسحاق ورخص فيها أنس والحسن, والحسين والقاسم وسالم, ونافع لأنه مكان من الجامع فلم تكره الصلاة فيه, كسائر المسجد ووجه الأول أنه يمنع الناس من الصلاة فيه كالمغصوب, فكره لذلك فأما إن كانت لا تحمى فيحتمل أن لا تكره الصلاة فيها لعدم شبه الغصب ويحتمل أن تكره لأنها تقطع الصفوف, فأشبهت ما بين السوارى واختلفت الرواية عن أحمد في الصف الأول فقال في موضع: هو الذي يلي المقصورة لأن المقصورة تحمى وقال: ما أدرى هل الصف الأول الذي يقطعه المنبر أو الذي يليه؟ والصحيح أنه الذي يقطعه المنبر, لأنه هو الأول في الحقيقة ولو كان الأول ما دونه أفضى إلى خلو ما يلي الإمام ولأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يليه فضلاؤهم ولو كان الصف الأول وراء المنبر, لوقفوا فيه. ويستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه لما روى ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه, فليتحول إلى غيره) رواه أبو مسعود أحمد بن الفرات في " سننه " والإمام أحمد, في " مسنده " ولأن تحوله عن مجلسه يصرف عنه النوم. ويستحب أن يكثر من الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة لما روي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة) رواه ابن ماجه وعن أوس بن أوس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض, وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه, فإن صلاتكم معروضة على قالوا: يا رسول الله: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي بليت قال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء عليهم السلام) رواه أبو داود. ويستحب قراءة الكهف يوم الجمعة لما روي عن على رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة فإن خرج الدجال عصم منه) رواه زيدون بن على في كتابه بإسناده وعن أبي سعيد الخدري, أنه قال: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق وقال خالد بن معدان: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة قبل أن يخرج الإمام كانت له كفارة ما بينه وبين الجمعة وبلغ نورها البيت العتيق. يستحب الإكثار من الدعاء يوم الجمعة لعله يوافق ساعة الإجابة (لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة, فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه) وأشار بيده يقللها, وفي لفظ: قال: [وإن صلوا الجمعة قبل الزوال في الساعة السادسة, أجزأتهم] وفي بعض النسخ في الساعة الخامسة والصحيح في الساعة السادسة وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز صلاتها فيما قبل السادسة وروي عن ابن مسعود وجابر, وسعيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال وقال القاضي, وأصحابه: يجوز فعلها في وقت صلاة العيد وروى ذلك عبد الله عن أبيه قال: نذهب إلى أنها كصلاة العيد وقال مجاهد: ما كان للناس عيد إلا في أول النهار وقال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة, والأضحى والفطر لما روي عن ابن مسعود أنه قال: (ما كان عيد إلا في أول النهار, ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا الجمعة في ظل الحطيم) رواه ابن البخترى في " أماليه " بإسناده وروي عن ابن مسعود ومعاوية أنهما صليا الجمعة ضحى, وقالا: إنما عجلنا خشية الحر عليكم وروى الأثرم حديث ابن مسعود ولأنها عيد فجازت في وقت العيد كالفطر والأضحى والدليل على أنها عيد قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين) وقوله: (قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان) وقال أكثر أهل العلم: وقتها وقت الظهر إلا أنه يستحب تعجيلها في أول وقتها لقول سلمة بن الأكوع: (كنا نجمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس, ثم نرجع نتبع الفيء) متفق عليه وقال أنس: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي الجمعة حين تميل الشمس) رواه البخاري ولأنهما صلاتا وقت فكان وقتهما واحدا كالمقصورة والتامة, ولأن إحداهما بدل عن الأخرى وقائمة مقامها فأشبها الأصل المذكور, ولأن آخر وقتهما واحد فكان أوله واحدا كصلاة الحضر والسفر ولنا, على جوازها في السادسة السنة والإجماع أما السنة فما روى جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي - يعنى الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حتى تزول الشمس) أخرجه مسلم وعن سهل بن سعد قال: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-) متفق عليه قال ابن قتيبة: لا يسمى غداء, ولا قائلة بعد الزوال وعن سلمة قال: (كنا نصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) رواه أبو داود وأما الإجماع, فروى الإمام أحمد عن وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج, عن عبد الله بن سيدان قال: شهدت الخطبة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار, وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان, فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره قال: وكذلك روى عن ابن مسعود وجابر, وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال, وأحاديثهم تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته ولا خلاف في جوازه وأنه الأفضل والأولى, وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال ولا تنافى بينهما وأما في أول النهار فالصحيح أنها لا تجوز, لما ذكره أكثر أهل العلم ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص, أو ما يقوم مقامه وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا عن خلفائه أنهم صلوها في أول النهار, ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل وهو مختص بالساعة السادسة, فلم يجز تقديمها عليها والله أعلم ولأنها لو صليت في أول النهار لفاتت أكثر المصلين فإن العادة اجتماعهم لها عند الزوال, وإنما يأتيها ضحى آحاد من الناس وعدد يسير كما روى عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة, فوجد أربعة قد سبقوه فقال: رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد إذا ثبت هذا, فالأولى أن لا تصلي إلا بعد الزوال ليخرج من الخلاف ويفعلها في الوقت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعلها فيه في أكثر أوقاته ويعجلها في أول وقتها في الشتاء والصيف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يعجلها, بدليل الأخبار التي رويناها ولأن الناس يجتمعون لها في أول وقتها ويبكرون إليها قبل وقتها, فلو انتظر الإبراد بها لشق على الحاضرين وإنما جعل الإبراد بالظهر في شدة الحر دفعا للمشقة التي يحصل أعظم منها بالإبراد بالجمعة. وإن اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد, إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة وقيل: في وجوبها على الإمام روايتان وممن قال بسقوطها الشعبي والنخعي, والأوزاعي وقيل: هذا مذهب عمر وعثمان وعلي, وسعيد وابن عمر وابن عباس, وابن الزبير وقال أكثر الفقهاء تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها ولأنهما صلاتان واجبتان, فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد . ولنا ما روى إياس بن أبي رملة الشامي, قال: (شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصل) رواه أبو داود, والإمام أحمد ولفظه (من شاء أن يجمع فليجمع) وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان, فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه ابن ماجه وعن ابن عمر وابن عباس, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحو ذلك ولأن الجمعة إنما زادت عن الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد فأجزأ عن سماعها ثانيا, ولأن وقتهما واحد بما بيناه فسقطت إحداهما بالأخرى كالجمعة مع الظهر, وما احتجوا به مخصوص بما رويناه وقياسهم منقوض بالظهر مع الجمعة فأما الإمام فلم تسقط عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (وإنا مجمعون) ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه, ومن يريدها ممن سقطت عنه بخلاف غيره من الناس. وإن قدم الجمعة فصلاها في وقت العيد فقد روى عن أحمد, قال: تجزئ الأولى منهما فعلى هذا تجزئه عن العيد والظهر ولا يلزمه شيء إلى العصر عند من جوز الجمعة في وقت العيد وقد روى أبو داود, بإسناده عن عطاء قال: اجتمع يوم الجمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان قد اجتمعا في يوم واحد, فجمعهما وصلاهما ركعتين بكرة فلم يزد عليهما حتى صلى العصر وروي عن ابن عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال: أصاب السنة قال الخطابي: وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول من يذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال, فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقط العيد والظهر ولأن الجمعة إذا سقطت مع تأكدها, فالعيد أولى أن يسقط بها أما إذا قدم العيد فإنه يحتاج إلى أن يصلي الظهر في وقتها إذا لم يصل الجمعة. قال: [وتجب الجمعة على من بينه وبين الجامع فرسخ] هذا في حق غير أهل المصر أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة, بعدوا أو قربوا قال أحمد: أما أهل المصر فلا بد لهم من شهودها سمعوا النداء أو لم يسمعوا وذلك لأن البلد الواحد بنى للجمعة فلا فرق بين القريب والبعيد, ولأن المصر لا يكاد يكون أكثر من فرسخ فهو في مظنة القرب فاعتبر ذلك وهذا قول أصحاب الرأي, ونحوه قول الشافعي فأما غير أهل المصر فمن كان بينه وبين الجامع فرسخ فما دون فعليه الجمعة, وإن كان أبعد فلا جمعة عليه وروى نحو هذا عن سعيد بن المسيب وهو قول مالك والليث وروي عن عبد الله بن عمرو قال: الجمعة على من سمع النداء وهذا قول الشافعي, وإسحاق لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (الجمعة على من سمع النداء) رواه أبو داود والأشبه أنه من كلام عبد الله بن عمرو ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- (قال للأعمى الذي قال: ليس لي قائد يقودنى: أتسمع النداء؟ قال: نعم قال: فأجب) ولأن من سمع النداء داخل في عموم قول الله تعالى: وأهل القرية لا يخلون من حالين: إما أن يكون بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ, أو لا فإن كان بينهم أكثر من فرسخ لم يجب عليهم السعى إليه وحالهم معتبر بأنفسهم, فإن كانوا أربعين واجتمعت فيهم شرائط الجمعة فعليهم إقامتها وهم مخيرون بين السعى إلى المصر, وبين إقامتها في قريتهم والأفضل إقامتها لأنه متى سعى بعضهم أخل على الباقين الجمعة وإذا أقاموا حضرها جميعهم, وفي إقامتها بموضعهم تكثير جماعات المسلمين وإن كانوا ممن لا تجب عليهم الجمعة بأنفسهم فهم مخيرون بين السعى إليها وبين أن يصلوا ظهرا والأفضل السعى إليها, لينال فضل الساعى إلى الجمعة ويخرج من الخلاف والحال الثاني أن يكون بينهم وبين المصر فرسخ فما دون فينظر فيهم, فإن كانوا أقل من أربعين فعليهم السعى إلى الجمعة لما قدمنا وإن كانوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم وكان موضع الجمعة القريب منهم قرية أخرى, لم يلزمهم السعى إليها وصلوا في مكانهم إذ ليست إحدى القريتين بأولى من الأخرى وإن أحبوا السعى إليها, جاز والأفضل أن يصلوا في مكانهم كما ذكرنا من قبل فإن سعى بعضهم فنقص عدد الباقين, لزمهم السعى لئلا يؤدى إلى ترك الجمعة ممن تجب عليه وإن كان موضع الجمعة القريب مصرا فهم مخيرون أيضا بين السعى إلى المصر وبين إقامة الجمعة في مكانهم, كالتى قبلها ذكره ابن عقيل وعن أحمد أن السعى يلزمهم إلا أن يكون لهم عذر فيصلون جمعة والأول أصح لأن أهل القرية لا تنعقد بهم جمعة أهل المصر, فكان لهم إقامة الجمعة في مكانهم كما لو سمعوا النداء من قرية أخرى ولأن أهل القرى يقيمون الجمع في بلاد الإسلام, وإن كانوا قريبا من المصر من غير نكير. وإذا كان أهل المصر دون الأربعين فجاءهم أهل القرية, فأقاموا الجمعة في المصر لم يصح لأن أهل القرية غير مستوطنين في المصر وأهل المصر لا تنعقد بهم الجمعة لقلتهم وإن كان أهل القرية ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم لزم أهل المصر السعى إليهم, لأنهم ممن بينه وبين موضع الجمعة أقل من فرسخ فلزمهم السعى إليها كما يلزم أهل القرية السعى إلى المصر إذا أقيمت به وكان أهل القرية دون الأربعين وإن كان في كل واحد منهما دون الأربعين, لم يجز إقامة الجمعة في واحد منهما. ومن تجب عليه الجمعة لا يجوز له السفر بعد دخول وقتها وبه قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة يجوز وسئل الأوزاعي عن مسافر يسمع أذان الجمعة, وقد أسرج دابته فقال: ليمض في سفره لأن عمر رضي الله عنه قال: الجمعة لا تحبس عن سفر . ولنا ما روى ابن عمر, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته) رواه الدارقطني في الأفراد وهذا وعيد لا يلحق بالمباح ولأن الجمعة قد وجبت عليه, فلم يجز له الاشتغال بما يمنع منها كاللهو والتجارة, وما روى عن عمر فقد روى عن ابنه وعائشة أخبار تدل على كراهية السفر يوم الجمعة, فتعارض قوله ثم نحمله على السفر قبل الوقت. وإن سافر قبل الوقت فذكر أبو الخطاب فيه ثلاث روايات: إحداها, المنع لحديث ابن عمر والثانية الجواز: وهو قول الحسن وابن سيرين, وأكثر أهل العلم لقول عمر ولأن الجمعة لم تجب, فلم يحرم السفر كالليل والثالثة يباح للجهاد دون غيره وهذا الذي ذكره القاضي لما روى ابن عباس (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وجه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب, وعبد الله بن رواحة في جيش مؤتة فتخلف عبد الله فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: ما خلفك؟ قال: الجمعة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: لروحة في سبيل الله أو قال: غدوة, خير من الدنيا وما فيها قال: فراح منطلقا) رواه الإمام أحمد في " المسند " والأولى الجواز مطلقا لأن ذمته بريئة من الجمعة فلم يمنعه إمكان وجوبها عليه كما قبل يومها وذكر أبو الخطاب أن الوقت الذي يمنع السفر ويختلف فيما قبله, زوال الشمس ولم يفرق القاضي بين ما قبل الزوال وما بعده ولعله بنى على أن وقتها وقت العيد ووجه قول أبي الخطاب على أن تقديمها رخصة على خلاف الأصل فلم يتعلق به حكم المنع, كتقديم الآخرة من المجموعتين إلى وقت الأولى. وإن خاف المسافر فوات رفقته جاز له ترك الجمعة لأن ذلك من الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة وسواء كان في بلده فأراد إنشاء السفر, أو في غيره. قال أحمد: إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين، وإن شاء صلى أربعا، وفي رواية: وإن شاء ستا، وكان ابن مسعود، والنخعي، وأصحاب الرأي يرون أن يصلي بعدها أربعا ؛ لما روى أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا). رواه مسلم. وعن علي، وأبي موسى، وعطاء، ومجاهد، وحميد بن عبد الرحمن، والثوري، أنه يصلي ستا، لما روي (عن ابن عمر: أنه كان إذا كان بمكة، فصلى الجمعة، تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعا، وإذا كان في المدينة صلى الجمعة، ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين، ولم يصل في المسجد، فقيل له، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك). رواه أبو داود. ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك كله، بدليل ما روي من الأخبار، وروي عن ابن عمر، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين ) متفق عليه. وفي لفظ لمسلم: وكان لا يصلي في المسجد حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته. وهذا يدل على أنه مهما فعل من ذلك كان حسنا: قال أحمد، في رواية عبيد الله: ولو صلى مع الإمام ثم لم يصل شيئا حتى صلى العصر، كان جائزا. قد فعله عمران بن حصين. وقال، في رواية أبي داود: يعجبني أن يصلي. يعني بعد الجمعة . فأما الصلاة قبل الجمعة فلا أعلم فيه إلا ما روى (أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يركع من قبل الجمعة أربعا) أخرجه ابن ماجه وروى عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه, قال: كنت ألقى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعا قال أبو بكر: كنا نكون مع حبيب بن أبي ثابت في الجمعة فيقول: أزالت الشمس بعد؟ ويلتفت وينظر فإذا زالت الشمس صلى الأربع التي قبل الجمعة وعن أبي عبيدة, عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها أربع ركعات رواه سعيد. ويستحب لمن أراد الركوع يوم الجمعة أن يفصل بينها وبينه بكلام, أو انتقال من مكانه أو خروج إلى منزله لما روى السائب بن يزيد ابن أخت النمر قال: (صليت مع معاوية الجمعة في المقصورة, فلما سلم الإمام قمت في مقامى فصليت فلما دخل أرسل إلى فقال: لا تعد لما فعلت, إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك, أن لا نوصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج) أخرجه مسلم وعن نافع أن ابن عمر رأى رجلا يصلي يوم الجمعة ركعتين فدفعه, وقال: أتصلى الجمعة أربعا؟ (وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته ويقول: هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ). قال أحمد: إذا كانوا يقرءون الكتاب يوم الجمعة على الناس بعد الصلاة أعجب إلى أن يسمع إذا كان فتحا من فتوح المسلمين, أو كان فيه شيء من أمور المسلمين فليستمع وإن كان شيئا إنما فيه ذكرهم فلا يستمع وقال في الذين يصلون في الطرقات: إذا لم يكن بينهم باب مغلق فلا بأس وسئل عن رجل يصلي خارجا من المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة, قال: أرجو أن لا يكون به بأس وسئل عن الرجل يصلي يوم الجمعة وبينه وبين الإمام سترة قال: إذا لم يكن يقدر على غير ذلك وقال: إذا دخلوا يوم الجمعة في دار في الرحبة فأغلقوا عليهم الباب فلم يقدروا أن يخرجوا, وكانوا يسمعون التكبير فإن كان الباب مفتوحا ويرون الناس كان جائزا, ويعيدون الصلاة إذا كان مغلقا لأن هؤلاء لم يكونوا مع صلاة الإمام وهذا والله أعلم لأنهم إذا كانوا في دار ولم يروا الإمام, كانوا متحيزين عن الجماعة فإذا اتفق مع ذلك عدم الرؤية لم يصح وأما إن كانوا في الرحبة أو الطريق, فليس بينهم إلا باب المسجد ويسمعون حس الجماعة ولم يفت إلا الرؤية, فلم يمنع من الاقتداء. ويستحب أن يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة " الم " و
|